ربي ثبتني الادارة العامة
عدد المساهمات : 290 تاريخ الميلاد : 02/01/1989 تاريخ التسجيل : 26/11/2011 العمر : 35
| موضوع: خطر الدَّين على ذمة المؤمن السبت نوفمبر 26, 2011 6:05 am | |
| الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن المؤمن الحصيف المشفق على نفسه يسعى جاهدا على أن يلقى ربه نقي القلب طاهر الباطن بريء الذمة غير متورط بحق ولا مظلمة ولا مال ولا كسب خبيث لأنه يوقن حق اليقين أن الحساب عظيم والموقف جليل بين يدي الجبار الذي لا يظلم عنده أحد ولا يخفى عليه ذرة ولا يعجزه حساب. وقد ورد في السنة الصحيحة زجر أكيد ووعيد مخيف لمن تساهل في حقوق العباد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحللها من صاحبه من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). رواه البخاري. ومن أعظم ما يشغل ذمة المؤمن ويثقل كاهله ويورده المهالك يوم القيامة الدَّين بأن يقترض من أخيه مالا وتبقى ذمته مشغولة به فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين لا يغفر مهما بلغ صلاح المؤمن بل وجاد بنفسه في سبيل الله خلافا لسائر الذنوب والكبائر التي تطهرها الشهادة كما في صحيح مسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في أصحابه فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال رسول الله: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت. قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي. فقال رسول الله : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك). رواه مسلم. وهذا يدل على أن التورط بالدين من أعظم الأخطار التي يبتلى بها المؤمن في الدنيا. وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يتورع ويمتنع عن الصلاة عن الرجل الذي عليه دين حتى يقضى عنه دينه كما في سنن الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل ليصلي عليه، فقال: صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً). فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاته شفاعة عظيمة للمؤمنين ومع ذلك امتنع عن الصلاة عليه لأن حق المخلوق لا يكفره الاستغفار. ثم لما وجد النبي يسارا وكثرة في بيت المال صار يقضي الديون عن المؤمنين وهذا يدل على أنه يتأكد على الدولة الغنية السعي والاجتهاد في قضاء ديون الأموات الذين لم يتركوا مالا يكفي لسداد ديونهم. ومما يدل على خطورة الدين ما ورد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بكثرة من الدين فقال له رجل يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف). متفق عليه. وهذا يدل على أن ركوب الدين يورد المهالك ويحمل المدين غالبا على الوقوع في الكبائر. وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وقهر الرجال). رواه البخاري. ومما يدل على خطورة الدين أن صاحبه قد يتعرض لعذاب القبر كما في حديث جابر ابن عبد الله قال : (توفي رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقلنا : تصلي عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين. قلنا : ديناران فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال: أبو قتادة: الديناران عليّ. فقال رسول الله: قد أوفى الله حقَّ الغريم وبرئ منهما الميت قال: نعم. فصلى عليه ثم قال بعد ذلك بيومين: ما فعل الديناران. قلت: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد فقال : قد قضيتها ، فقال رسول الله : الآن بردت جلدته). رواه أحمد. وإنما وردت الأخبار في التشديد في الدين لأن ذنوب حقوق العباد مبنية على المشاحة والمطالبة في الآخرة ولا يكفي في تطهيرها مجرد التوبة خلافا للذنوب التي بين العبد وربه فإنها مهما عظمت مبنية على المسامحة والعفو والغفران إذا وردت عليها نور التوبة أزالت ظلمتها ونار الخشية أحرقتها ولم تبق لها أثرا كما صحت الأخبار بذلك. ومع عظم خطر الدين فإن كثيرا من الناس اليوم يتساهلون فيه تساهلا عظيما والتساهل في هذا الباب على وجوه: 1- الإكثار من الاقتراض في كل مناسبة. 2- الاقتراض لأي أمر ولو كان من الكماليات والتحسينات. 3- التسويف والتأخير في قضاء الدين مع القدرة على السداد. 4- إشغال الذمة بديون متجددة مع عدم سداد الديون المتأخرة عليه. 5- اقتراض المال العظيم مع أنه يوقن على عدم قدرته على السداد في المستقبل. 6- اقتراض المال لغرض محرم وفعل المعاصي. ومن أعظم الخطر أن يعتقد المرء أن الاقتراض من الآخرين وسيلة مشروعة للكسب فتراه يحتال ويتظاهر بالحاجة والأزمة ليحصل على القرض ثم يأكله ولا يبالي بصاحبه مطلقا ويرى أنه صار حقا له ثم يمضي ويختفي ولا يحدث نفسه بالسداد وربما بعض الناس يرى أن هذا التصرف من كمال العقل والفتوة. وقد ورد في هذا الصنف من الناس وعيد شديد كما جاء في الصحيح: (ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله). أما من نزلت به نازلة وضاقت عليه السبل فاقترض قرضا ليرفع فاقته وهو يضمر وينوي السداد بنية حسنة ثم عجز عن ذلك فلا يلام شرعا ولا يؤاخذ في الآخرة وقد تكفل الله بسداد دينه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه). رواه البخاري. وهذا من إكرام الله ولطفه وجوده بعبده الصالح فجازاه وكافأه لصدقه وأمانته. وقد دلت السنة على جواز الاقتراض للحاجة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في خبر أبي رافع في صحيح مسلم فلا حرج ولا عيب على المؤمن أن يقترض لرفع حاجته ولا ينقص ذلك من قدره ولم يرد في الشرع ما يدل على النهي عن الدين مطلقا وما ورد أنه من الكبائر في حديث المسند: (إن أعظم الذنوب عند الله عز وجل أن يلقاه عبد بها بعد الكبائر التي نهى عنها أن يموت الرجل وعليه دين لا يدع قضاء). فحديث ضعيف لأنه من رواية أبي عبد الله المصري وهو مجهول الحال وقد تفرد به ولا يحتمل تفرده ومتنه منكر مخالف للنصوص المحفوظة الدالة على جوازه في الأصل وذمه والتحذير منه على حسب الحال والأحوال والقصد ففيه تفصيل لا يصح إطلاق وصفه بالكبيرة إلا على من تعمد الخيانة فيه وأكل به أموال الناس بالباطل. وقد رخص أهل العلم بالاقتراض لشراء الأضحية والهدي وأداء العمرة والحج لمن كان قادرا على الوفاء فلا حرج على المؤمن أن يقترض لذلك عند استطاعته على السداد إذا كان لديه راتب وظيفة أو صنعة أو تجارة تعود عليه بالربح غالبا ونحوه أما من كان يعلم من نفسه العجز عن ذلك فلا يجوز له ذلك ولا ينبغي له حينئذ أن يشغل ذمته بواجب لأداء نفل وهذا من قلة الفقه في الدين. ومن أفعال السفهاء في هذا الباب أن يقترض الإنسان مالا ليلهو به في الباطل وينفقه في المحرمات والملذات الخبيثة فيستعمله في سفر المعصية فيجمع بين ثلاث سيئات ارتكاب المعصية وإنفاق المال في حرام وإشغال الذمة بدين محرم والله المستعان. وإذا علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض سيستعين بالمال في معصية الله حرم عليه إقراضه وإعانته على الإثم والعدوان. ومن الأخطاء الشائعة في هذا الباب التي تخفى على بعض الصالحين أن يكون عند الشخص مال لأحد أقاربه ائتمنه عليه أو مال لشريكه أو مال لأيتام أو مال لجمعية خيرية فيقترض منه ويتصرف فيه إلى حلول الراتب من غير علم صاحبه وهذا لا يجوز إلا بإذن المالك فإن أخبره وأذن له حل له وإلا فتصرفه يعد من الخيانة. والدين ذل في النهار وهم في الليل لما فيه من إشغال الذمة والخوف من الموت قبل السداد والتعرض لمنة وأذى الدائن واشتغال البال والفكر فيه والعز كل العز في الاستغناء عما في أيدي الناس ومن فتح على نفسه باب المسألة وقع في الذل. وكثرة الدين ممحقة للبركة وطريق للفقر ومن لازم الدين ضاقت دنياه وعاش عالة على الخلق. ولا يليق بالمؤمن أن يدخل في الدين لأجل تحصيل الكماليات وإظهار الزينة في المتاع والمركب والدار. ومن خشي على نفسه الوقوع في الزنا واحتاج إلى الزواج ليتعفف أبيح له الاقتراض والله سيعينه على السداد لحديث أبي هريرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الأداء والمتزوج يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله). رواه أهل السنن. وهذه بشرى للشاب المعوز الراغب في الزواج لأجل العفاف. وللتورط في كثرة الدين أسباب كثيرة منها: 1- ضعف الوازع الديني وقلة الإيمان في باب الحقوق والمظالم. 2- التساهل في الدين والتهاون فيه. 3- التأثر بالبيئة المحيطة وأعراف الناس الفاسدة. 4- الإسراف في الكماليات والزينة. 5- الافتتان بالأسفار والرحلات. 6- المبالغة والتكلف في إكرام الضيوف. ومن أثقلته الديون وعلته الهموم وعجز عن أدائها فعليه بالإقبال على الله وكثرة الاستغفار ولزوم الفرائض واجتناب الحرام والإكثار من الدعاء وحسن الظن والرجاء بالله وعدم اليأس. فعن علي رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال إني قد عجزت عن كتابتي فأعني قال ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك قال قل: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. وهناك وسائل تحمي المؤمن من كثرة الدين وتحفظه: 1- تدبير المال وحسن تصريفه وتقديم الأهم فالمهم. 2- إدخار شيء من المال للحوائج والضائقات. وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يسرني ألا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيئاً أرصده لدين). 3- الاقتصاد في الإنفاق على قدر الحاجة وعدم إنفاقه في السفاسف كما قال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا). 4- القناعة والرضا بما قسم الله من الرزق والتكيف على حسب الظروف والإمكانيات. وفي سنن الترمذي: (من أصبح آمناً في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). 5- التأني والتروي في شراء السلع وضبط النفس على التحكم في عدم شراء السلع الغالية. وقيل لإبراهيم بن أدهم إن اللحم قد غلا فقال أرخصوه أي لا تشتروه. 6- الوعي بخطورة الدين وقراءة النصوص والآثار الواردة فيه. 7- تربية أفراد الأسرة على حسن التصرف بالمال والادخار وتحمل المسؤولية المالية. 8- تحكيم العقل في الدعايات وعدم الغلو في تتبع الموضة على حساب الديون. ومن أقرض مسلما وفرج همه ووسع عليه في تأخير السداد أو العفو عن بعض المال أو مسامحته بالكلية مراعاة لحاله فله ثواب عظيم ورجي له عفو الرب ومسامحته في الآخرة جزاء لصنيعه في الدنيا وقد ورد فضل عظيم في السنة كما روي في حديث ابن مسعود: (من أقرض مسلما مرتين كان كصدقة مرة لو تصدق بأحدهما). رواه ابن ماجه وأعل بالوقف. وورد في البخاري تجاوز الله عن مذنب كان يتجاوز عن المعسرين. وفي صحيح مسلم: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه). ويجب على الدائن الصبر وعدم مشاكاة ومقاضاة المدين إذا كان معسرا لا يقدر على السداد لقوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). وقد قل العمل بالقرض الحسن في هذا الزمان لأسباب وإشكاليات يطول شرحها أعظمها غلبة شح التجار واحتيال المقترضين فينبغي على المجتمع المسلم إحياء هذه السنة المهجورة ومن وفق لهذا العمل فقد فتح على المسلمين باب رحمة وخير وإحسان لغلاء الأسعار وطمع التجار وكثرة الفقراء وكان له أجر من عمل بهذه السنة. ومن البر والإحسان في هذا الباب أن يسعى من كان له جاه وقول في الناس في قضاء ديون المحتاجين بدفع المال للدائن أو الشفاعة عنده بإسقاط بعض الدين أو جميعه عن المدين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع لأصحابه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا). متفق عليه. وينبغي على المؤمن أن يوثق ديونه ويكتبها في وصيته ويحرص على سدادها في الدنيا حتى إن عجز عنها لم تضع حقوق الخلق وسخر الله له من يقضيها عنه من ولده وقرابته وينبغي على الولد أن يجتهد كل الجهد في إبراء ذمة أبيه ويحرص على استنقاذ أبيه من هول الحساب والنار كما فعل جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين قضى دين أبيه فقد روى البخاري في صحيحه عن جابر أخبر: (أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وقال: وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي حائطي وقال: سنغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمره). ولا يتساهل ويسوف فيها كما يفعل بعض الأولاد اليوم مع غناهم والله المستعان وهذا السداد من أعظم الإحسان بعد موت أبيه وله أجر عظيم في هذا البر وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين). رواه أحمد. ومن بر أباه بره بنوه فهنيئا للولد الصالح الذي يوفقه ربه لقضاء ديون والديه ويسرع في إبراء ذمتهما المالية والعبادية. فينبغي على المؤمن أن يحرص ويجتهد على قضاء ديونه وإبراء ذمته من الحقوق والمظالم قبل أن توافيه المنية وهو متورط وليكن صادق النية في السداد ليفرج الله عنه ويكون معه وفي مسند أحمد: (ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم لكن بالحسنات والسيئات). وليجعل هذا الهدف أعظم هدف يسعى إليه في دنياه قبل التوسع في المباحات لأنه من آكد الواجبات وأعظمها خطرا ثم إن قضى دينه ورزقه الله وتوسع في معاشه فالحمد لله وإن لم يوسع الله عليه وعاش كفافا من الرزق كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهو سعيد وناج في الآخرة ويعوضه الله خيرا عظيما لقصده وقناعته وتعففه. أسأل الله أن يقضي ديون المسلمين ويفرج همهم وينفس كربهم ويغنيهم من فضله الكريم عمن سواه ويكفيهم بحلاله عن حرامه إنه جواد كريم. خالد بن سعود البليهد binbulihed@gmail.com 1432/12/18
| خطر الدَّين على ذمة المؤمن |
| خالد بن سعود البليهد
| | |
|